يعيش سكان غزة في مجاعة خانقة. يعاني نحو 100 ألف من النساء والأطفال من سوء تغذية حاد، ويقضي ثلث السكان أيامًا دون طعام، بحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. تنتظر أطنان من الغذاء الفاسد السماح لها بالدخول إلى غزة، بينما يخوض الفلسطينيون الجوعى معركة للبقاء. قنصت القوات الإسرائيلية أكثر من ألف فلسطيني أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع غذائي منذ أواخر مايو، وفقًا لتقارير متعددة.

وسط هذه الكارثة، خصص بنيامين نتنياهو ساعة من وقته للظهور في بودكاست "Full Send" مع مجموعة "Nelk Boys" اليمينية، حيث ناقش تفضيلاته في الوجبات السريعة، معلنًا اختياره "برجر كينج" على "ماكدونالدز"، في لحظة وُصفت بالسخرية من معاناة الفلسطينيين.

اعتمد نتنياهو خلال اللقاء على خطاباته المعتادة. امتدح دونالد ترامب، وألقى اللوم على حماس في مقتل المدنيين، وزعم أن سكان غزة يريدون المغادرة لكن حماس تمنعهم. استخدم أسلوب "التغسيل الوردي" لتشويه دعم النساء والمثليين لفلسطين، قائلاً إنه "يشبه دجاجًا يؤيد كنتاكي".

سعى نتنياهو للوصول إلى الشباب عبر المؤثرين، في وقت تشير فيه الاستطلاعات إلى تراجع دعم إسرائيل بين الأميركيين الشباب، خاصة بعد مقتل أكثر من 17 ألف طفل في غزة منذ عام 2023. أثار اللقاء غضبًا واسعًا، وخسر حساب البودكاست أكثر من 100 ألف مشترك خلال يوم واحد، فيما امتلأ قسم التعليقات بالانتقادات، ووصفت التعليقات نتنياهو بأنه "مجرم حرب".

أوضح الفريق أن نتنياهو روّج لنفسه خلال اللقاء، وادعى أنهم لم يجهزوا الأسئلة بشكل كافٍ. علّق المدون اليساري حسن بيكر قائلاً: "هو لا يروّج لكتاب، بل لإبادة جماعية". اعترف الفريق لاحقًا بقصورهم في التحضير، وقالوا: "لسنا الأفضل في طرح الأسئلة".

تعكس المقابلة ظاهرة أوسع من التطبيع الإعلامي مع نتنياهو، حيث يتجاهل الإعلام الأميركي في الغالب مذكرة التوقيف الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية. لم تمنع هذه التهمة سياسيين أميركيين، بينهم كوري بوكر، من لقائه والتقاط الصور معه.

ساهمت وسائل الإعلام السائدة لعقود في تبييض جرائم إسرائيل. نادراً ما يُعرض صوت الفلسطينيين، ويجري تصويرهم كمعتدين لا كضحايا. على سبيل المثال، تعرض الكاتب تانهيسي كوتس لهجوم إعلامي بعد إشارته في كتابه الأخير إلى الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية. كما لم تحصل أفلام فلسطينية حائزة على جوائز مثل "لا وطن آخر" على توزيع واسع في الولايات المتحدة.

فرضت إسرائيل منذ عام 2008 حصارًا غذائيًا دقيقًا على غزة، وقامت بحساب السعرات الحرارية اللازمة لبقاء السكان أحياء دون الوقوع في مجاعة رسمية. تحكّمت بكل تفاصيل الحياة، ومنعت السكان حتى من الوصول إلى البحر.

في الوقت الذي يُلاحق فيه رافعو العلم الفلسطيني أو المتضامنون معهم بالاعتقال أو الترحيل في بريطانيا وأميركا، يظهر المتهمون بجرائم ضد الإنسانية على المنصات الإعلامية بأريحية، ويُمنحون فرصة لترويج مواقفهم بلا محاسبة.

لا تقتصر المشكلة على بودكاست سخيف أو نكات غير مناسبة، بل تتجذر في نظام إعلامي متواطئ ساعد في تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. مع تفاقم المجاعة وارتفاع أعداد الضحايا، يبقى السؤال: كيف ساهم هذا التواطؤ الإعلامي والسياسي في تمهيد الطريق لما يسميه كثيرون الآن إبادة جماعية؟

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/24/netanyahu-nelk-boys-podcast#img-1